تمثل المدن المستدامة ذاتيًا مستقبل الطاقة والاستدامة الحضرية. بفضل الطاقات المتجددة، يمكن أن يصبح كل منزل نموذجًا مصغرًا للاستهلاك الذاتي للطاقة، وإدارة موارده الخاصة دون الحاجة إلى الاعتماد على بنى تحتية كهربائية خارجية كبيرة. وفي هذا السياق، مشروع مدن الأمازون ذاتية الاستدامة (CASA). ينشأ كرد فعل على أزمة الطاقة والبيئة في المنطقة السفلى من بيلين، في بيرو.
هذه المنطقة المعرضة للفيضانات بسبب قربها من نهر إيتايا، ترى في مشروع CASA حلاً ليس فقط معماريًا وحضريًا، ولكن أيضًا اجتماعيًا واقتصاديًا وبيئيًا. هل ترغب بمعرفة المزيد عن هذا المشروع المبتكر؟ أدناه، نخبرك ما هو وكيف يغير المنطقة.
مشروع المدن المستدامة في الأمازون (CASA)
تواجه مدينة بيلين، الواقعة في حوض الأمازون، تحديات خطيرة بسبب جيومورفولوجيتها. وتغمر الفيضانات الدورية لنهر إيتايا المنطقة السفلية من المدينة، مما يجبر سكانها على التكيف من خلال المنازل العائمة والسفر على القوارب. لقد عاش هذا المجتمع لأجيال في ظل هذه الظروف غير المستقرة، ولكن في عام 2014، وبسبب الفيضانات الشديدة الناجمة عن تغير المناخ، تم إعلان حالة الطوارئ في بيت لحم.
منذ تلك اللحظة قررت السلطات نقل سكان المنطقة السفلى إلى مستوطنة جديدة تسمى نويفو بيلين، وتقع في الأراضي البعيدة عن مخاطر الفيضانات. بحلول عام 2016، تم بالفعل إحراز تقدم في بناء هذه المدينة الجديدة، وهو مشروع يتجاوز مجرد النقل المادي، لأنه يهدف إلى إنشاء نموذج مدينة مستدام ومكتفي ذاتيا وقابل للتكيف مع ظروف البيئة الأمازونية.
مشروع CASA هو مبادرة يقودها مركز الهندسة المعمارية وأبحاث المدينة (CIAC) من الجامعة البابوية الكاثوليكية في بيرو (PUCP)، بالتعاون مع معهد علوم الطبيعة والأراضي والطاقة المتجددة (INTE-PUCP) وكلية لندن الجامعية (UCL). من خلال هذا المشروع، نستكشف كيف يمكن تصميم مدن المستقبل في الأمازون، مع الاستفادة من الموارد الطبيعية والمعرفة المحلية لضمان حياة كريمة ومستدامة.
الأراضي والهياكل الجديدة
تتمتع أرض المدينة الجديدة ببنية تحتية أساسية، مثل الطرق، التي تسهل الحركة. ومن الغريب أن العديد من السكان الذين تم نقلهم لم يعرفوا في البداية كيفية القيادة، لأن تحركاتهم التاريخية كانت بشكل رئيسي عبر النهر. وتعكس هذه الحقيقة إحدى الصعوبات الرئيسية التي يواجهها مشروع CASA: دمج نموذج الحياة النهرية التقليدية مع البيئة الحضرية الحديثة.
الهدف من مشروع CASA ليس فرض نموذج مدينة معزولة، بل بالأحرى التكيف مع التخطيط الحضري لنويفو بيلين للعادات وأساليب الحياة والبيئة الأمازونية. ولتحقيق هذه الغاية، قام فريق المشروع بتطوير بحث حول كيفية دمج المعرفة المكتسبة محليًا والتقنيات التقليدية مع الاحتياجات الحضرية والاقتصادية الجديدة. وبهذه الطريقة، من المؤمل تحويل نويفو بيلين إلى مدينة مستدامة يمكنها البقاء والازدهار في سياق تغير المناخ.
ولا تقتصر هذه العملية على بناء المساكن والبنية التحتية الجديدة فحسب، بل تتضمن أيضًا إنشاء بيئة اقتصادية واجتماعية مكتفية ذاتيا. ويحتاج السكان المنقولون إلى فرص عمل وسبل عيش جديدة تتكيف مع البيئة الحضرية الجديدة. تتم إعادة تصور تصميم المساكن وإنتاج الغذاء والتجارة والجوانب اليومية الأخرى من خلال منظور الاستدامة والاكتفاء الذاتي.
المكونات الرئيسية لمشروع CASA
مشروع CASA ليس مجرد جهد معماري. كما يتناول القضايا الاجتماعية والثقافية والتكنولوجية، والتي يتم تنظيمها حول أربعة مجالات عمل رئيسية:
- الإدارة المجتمعية والاجتماعية: ويتم تعزيز المشاركة النشطة للسكان في صنع القرار وإدارة الموارد على المستوى المحلي. ويشمل ذلك تنفيذ أنظمة الحوكمة التي تسمح لمجتمعات الأمازون إدارة التنمية الخاصة بك بشكل مستدام.
- التقنيات المناسبة: قام مشروع CASA بتطوير العديد من الابتكارات التكنولوجية التي تتكيف مع ظروف منطقة الأمازون. ومن الأمثلة البارزة على ذلك استخدام الشوايات الشمسية التي تستخدم طاقة الشمس لطهي الطعام، مما يقلل الحاجة إلى الوقود الأحفوري ويستفيد من الموارد المتجددة.
- التصميم الحضري والهندسة المعمارية: تم تكييف تصميم المنازل والبنية التحتية الحضرية في Nuevo Belén مع خصائص البيئة. وقد تم تصور حلول بناءة مثل نوافذ ذات تهوية و شبكات لتخزين مياه الأمطار، والتي تسمح باستخدام الموارد بكفاءة وبشكل مستدام.
- التنمية الاجتماعية والاقتصادية: والهدف هو خلق اقتصاد محلي مرن، يعتمد على الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية. ويتضمن المشروع تنفيذ تقنيات تتيح للسكان توليد الدخل من الأنشطة المتوافقة مع بيئة الأمازون، مثل الزراعة على نطاق صغير وصيد الأسماك.
هذه المناطق الأربع هي الركائز التي يتم عليها بناء المدينة الجديدة، والتي تبرز كمثال يحتذى به لمشاريع إعادة التوطين الأخرى في سياق منطقة الأمازون وخارجها.
الابتكارات التكنولوجية والمعمارية
جزء أساسي من مشروع CASA هو تطوير التقنيات المناسبة لبيئة الأمازون. ولا تعمل هذه التطورات على تحسين نوعية حياة السكان فحسب، بل تقلل أيضًا من تأثيرهم البيئي. ومن أبرز الابتكارات ما يلي:
- مطابخ محسنة: وتستخدم هذه المواقد كميات أقل من الحطب وتنبعث منها دخان أقل من المواقد التقليدية، مما يقلل من إزالة الغابات ويحسن صحة الأسرة.
- الشوايات الشمسية: ويستخدمون طاقة الشمس في الطهي، ويقللون من استخدام الوقود الأحفوري ويستفيدون من مصدر الطاقة المجاني والنظيف.
- شبكات لتخزين مياه الأمطار: وبما أن منطقة الأمازون هي منطقة ذات هطول أمطار غزيرة، فإن هذا النظام يستخدم مياه الأمطار لتزويد المنازل بمياه الشرب بكفاءة ودون الحاجة إلى بنية تحتية باهظة الثمن.
- النوافذ ذات التهوية: تسمح هذه النوافذ للمنازل بالبقاء باردًا، حتى في الأيام الأكثر حرارة، دون الحاجة إلى أنظمة تبريد باهظة الثمن.
علاوة على ذلك، تكون هذه الابتكارات مصحوبة بنهج مجتمعي لتنفيذها. وقد تم عقد ورش عمل تدريبية لتعليم السكان كيفية بناء هذه التقنيات وصيانتها وتحسينها. وبهذه الطريقة، تستطيع المجتمعات تطوير المهارات التي تتيح لها تحقيق الاكتفاء الذاتي على المدى الطويل.
جانب آخر مهم هو التكامل تجميع مياه الأمطار في المنازل. ونظرًا لأن أقل من نصف سكان منطقة Low Forest يحصلون على مياه الشرب، فإن هذه الابتكارات تسمح بتوسيع الوصول إلى هذا المورد الحيوي بطريقة مستدامة وبأسعار معقولة، خاصة في المناطق الريفية والنائية.
يعكس تصميم المنازل أيضًا هذا التعايش بين التكنولوجيا والاستدامة. ويتم استخدام المواد المحلية مثل الخيزران والطين الأمازوني، والتي لا تتوفر بكثرة في البيئة فحسب، بل تساهم أيضًا في تقليل البصمة الكربونية وتحسين الكفاءة الحرارية للمنازل.
وقد سمح هذا النهج المبتكر لمشروع CASA بالاعتراف به دوليًا؛ على سبيل المثال، فاز نظام تجميع مياه الأمطار بالجائزة جائزة أبحاث المياه في مهرجان العمارة العالمي.
يقترح مشروع CASA رؤية متماسكة ومنهجية لمعالجة التحديات التي يفرضها إعادة توطين السكان في سياقات معقدة مثل منطقة الأمازون. من خلال نهجها متعدد التخصصات والتعاوني، من المتوقع أن تكون نويفو بيلين بمثابة نموذج لمدينة مستدامة ومرنة للمناخ في المستقبل.