بعد سنوات من عدم اليقين والنقاش حول مستقبل محطة سانتا ماريا دي جارونيا للطاقة النووية، الواقعة في بورغوس، وقد قررت الحكومة عدم تجديد الترخيص لتشغيلها، مما يمثل الإغلاق النهائي لواحدة من أكثر المنشآت النووية رمزية في إسبانيا. ولا يزال هذا القرار الذي اتخذ في أغسطس 2017 له تداعيات، ليس فقط في مجال الطاقة، ولكن أيضًا سياسيًا واقتصاديًا وبيئيًا.
الإغلاق النهائي لمحطة جارونيا للطاقة النووية
في 1 أغسطس 2017، أعلنت الحكومة الإسبانية، من خلال وزارة الطاقة والسياحة والأجندة الرقمية، أن ترخيص تشغيل محطة جارونيا للطاقة النووية لن يتم تجديده. كانت المحطة غير نشطة منذ ديسمبر 2012، عندما قررت الشركة المالكة، Nuclenor، المكونة من شركتي Endesa وIberdrola، إيقافها طوعًا لتجنب تأثير المعدلات النووية الجديدة التي فرضتها الحكومة.
وكان لهذا الإجراء أهمية خاصة لأن جارونيا كانت تعمل منذ عام 1971، باعتبارها أقدم محطة نووية في إسبانيا. ومع ذلك، فقد اتسم القرار ليس فقط بأسباب فنية أو تتعلق بكفاءة استخدام الطاقة، ولكن أيضًا بسياق سياسي قوي. وعارضت معظم المجموعات البرلمانية، باستثناء الحزب الشعبي، إعادة فتحه. بحسب الوزير ألفارو نادال. "سيتم إغلاق مصنع جارونيا لأنه أصبح رمزا للمواجهة السياسية."
التأثير على نظام الطاقة
أحد الأسباب الرئيسية وراء اختيار الحكومة عدم تجديد ترخيص الاستغلال هو التأثير الضئيل الذي قد يحدثه إغلاقه على نظام الكهرباء الإسباني. وتبلغ الطاقة الإنتاجية للمحطة حوالي 466 ميجاوات، وهو ما يمثل جزءًا صغيرًا من إجمالي القدرة المركبة في إسبانيا. ولم يكن لغيابه آثار كبيرة على إمدادات الكهرباء أو على سعر الكهرباء في البلاد.
علاوة على ذلك، منذ توقفه المؤقت في عام 2012، تكيف نظام الطاقة الإسباني لتوفير هذه القدرة من خلال مصادر الطاقة المتجددة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، والتي اكتسبت أهمية في إسبانيا في السنوات الأخيرة. وفي الواقع فإن 300 أو 400 توربينة رياح يمكن أن تحل محل قدرة جارونيا.
أسباب اقتصادية وسياسية للإغلاق
كان الإغلاق النهائي لجارونيا مدفوعًا أيضًا بأسباب اقتصادية. وكانت التكلفة المقدرة للاستثمارات اللازمة لوضع المصنع في وضع يسمح له باستئناف التشغيل مرتفعة إلى حد كبير. تم حساب ذلك واحتاجت المحطة إلى أكثر من 475 مليون يورو للامتثال لمتطلبات السلامة التي وضعها مجلس السلامة النووية (CSN)، وخاصة بعد الكارثة التي وقعت في فوكوشيما باليابان عام 2011.
هذه التكاليف، بالإضافة إلى حالة عدم اليقين السياسي بشأن استهلاك الاستثمار، جعلت إعادة فتح المصنع غير ممكن. بالإضافة إلى ذلك، حدث صراع بين المساهمين الرئيسيين في Nuclenor وEndesa وIberdrola. وبينما كانت شركة إنديسا تؤيد إبقاء المصنع قيد التشغيل، اختارت شركة إيبردرولا تقديم التنازل عن تجديد تصريح الاستغلال. وكان عدم التوافق بين الشركتين أحد العوامل الأخرى التي دفعت الحكومة إلى اختيار الإغلاق النهائي.
وقف تشغيل محطة الطاقة النووية
وبعد إعلان الإغلاق النهائي، دخل المصنع مرحلة جديدة: تفكيكه. ومن المقدر أن تستمر عملية التفكيك الكاملة للمحطة حتى عام 2033 وسيتم تنفيذها على مرحلتين، وفقًا لما أقرته وزارة التحول البيئي والتحدي الديموغرافي بالتعاون مع مجلس السلامة النووية (CSN).
وفي المرحلة الأولى من التفكيك، والتي ستتم بين عامي 2023 و2026، سيتم تفكيك أنظمة وهياكل ومكونات مبنى التوربينات، بالإضافة إلى إجراء التعديلات اللازمة لإدارة النفايات الناتجة عن نشاط المحطة. بالإضافة إلى ذلك، سيتم إخلاء الوقود المستهلك إلى مخزن مؤقت فردي (ATI)، يقع في نفس موقع المحطة.
وسيتم خلال المرحلة الثانية، المقرر تنفيذها بين عامي 2027 و2033، تفكيك المباني الإشعاعية وإعادة تأهيلها. إزالة التلوث ورفع السرية وهدم البنية التحتية للمحطة. وبمجرد اكتمال هذه العملية، سيتم استعادة الأرض وإعادة الموقع إلى حالة آمنة للاستخدام.
التأثير المحلي وإجراءات التحول العادل
وكان لإغلاق محطة غارونيا للطاقة النووية تأثير مباشر على اقتصاد البيئة المحلية، وخاصة في البلديات المجاورة التي كانت تعتمد إلى حد كبير على نشاط المحطة. وللتخفيف من هذا التأثير، يتعاون معهد الانتقال العادل مع البلديات المتضررة البالغ عددها 27 بلدية منذ عام 2020، حيث يخصص الأموال لإعادة تنشيط المنطقة. وحتى الآن تم تخصيصهم 7,7 مليون يورو لتمويل المشاريع البلديةوالتي تتراوح بين تطوير مبادرات الصحة الاجتماعية وإعادة تأهيل الممتلكات وتشجيع السياحة واستعادة البيئة. الهدف من هذه الإجراءات هو ضمان انتقال عادل للعمال والمجتمعات المتضررة من إغلاق المصنع.
التعاون مع إنريسا
الكيان الذي يقود عمليات تفكيك جارونيا هو الشركة الوطنية للنفايات المشعة (إنريسا)، المسؤولة عن إدارة النفايات النووية في إسبانيا. وبعد نقل ملكية مصنع Nuclenor إلى Enresa، ستكون الأخيرة مسؤولة عن ضمان تنفيذ عملية إيقاف التشغيل بأكملها بأعلى معايير السلامة. تتمتع إنريسا بخبرة واسعة في إدارة النفايات النووية وترميم المواقع. في الواقع، كانت مسؤولة بالفعل عن تفكيك محطات الطاقة النووية الإسبانية الأخرى، مثل خوسيه كابريرا في زوريتا وفانديلوس الأول في تاراغونا.
النفايات المشعة ووجهتها النهائية
أثناء عملية إيقاف التشغيل، أحد الجوانب الأكثر أهمية هو التخلص من الوقود المستهلك وإدارة النفايات المشعة. سيتم تخزين وقود جارونيا مؤقتًا في المخزن المؤقت الفردي (ATI) بالمحطة، في حاويات مصممة خصيصًا لضمان سلامته. وبالمثل، سيتم نقل النفايات المشعة ذات النشاط المنخفض والمتوسط إلى المستودع المركزي للنفايات المشعة في إل كابريل، الواقع في مقاطعة قرطبة. وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من حوالي 2.000 طن من النفايات ذات النشاط المنخفض أو المتوسط سيتم إرسالهم إلى هناك.
ومن ناحية أخرى، ستتم إدارة النفايات غير المشعة التي يمكن إعادة تدويرها أو إعادة استخدامها وفقًا للوائح المعمول بها. أما بالنسبة للنفايات عالية المستوى الإشعاعي والوقود النووي المستهلك، فإن وجهتها النهائية ستكون التخزين الجيولوجي العميق (AGP)، الذي لا يزال تشييده في مرحلة التخطيط في إسبانيا. وتسمح هذه الأنواع من المرافق بالتخزين الآمن للنفايات المشعة في صالات تقع على أعماق كبيرة، مما يضمن أنها لا تمثل خطراً على البيئة أو صحة الإنسان.
يمثل الإغلاق النهائي لمحطة سانتا ماريا دي جارونيا للطاقة النووية علامة فارقة في تاريخ الطاقة في إسبانيا. وبعد خمسة عقود من التشغيل، وعدة سنوات من الجدل حول احتمال إعادة افتتاحه، بدأت المحطة عملية التفكيك. وعلى الرغم من أن القرار كان له آثار سياسية واقتصادية، إلا أنه استرشد بمخاوف تتعلق بالسلامة والأثر البيئي والحاجة إلى نظام كهرباء أكثر استدامة. ومع تقدم عملية إيقاف التشغيل، من المتوقع أن تضمن جهود إنريسا والحكومات المحلية انتقالًا عادلاً للمجتمعات المتضررة، مع وضع الأساس لمستقبل طاقة أنظف ومتجدد في إسبانيا.