في السنوات الأخيرة، اكتسب الاستهلاك الذاتي للطاقة أهمية أساسية في أوروبا، حيث تبحث الشركات الكبيرة والمستهلكون الأفراد عن حلول مستدامة لتوليد الطاقة الخاصة بهم. وكان هذا الاتجاه مدفوعًا بالتقدم في تقنيات الطاقة المتجددة واللوائح الجديدة في الاتحاد الأوروبي والاهتمام المتزايد بالحد من انبعاثات غازات الدفيئة. ومع ذلك، في حين تتصدر دول مثل ألمانيا في تبني أنظمة الاستهلاك الذاتي، واجهت دول أخرى مثل أسبانيا تحديات تنظيمية كبيرة.
وكانت شركة الكهرباء الألمانية E.ON، المتحدث الرسمي الرئيسي في تعزيز الاستهلاك الذاتي واستقلال الطاقة من خلال ابتكارات مثل نظام SolarCloud. وتتيح هذه المبادرة للمستخدمين ليس فقط توليد الطاقة الشمسية في منازلهم، بل أيضًا تخزينها افتراضيًا واستخدامها عند الضرورة. بالإضافة إلى ذلك، يسمح التقدم في البنية التحتية والتنظيم للمستهلكين بتقاسم الطاقة وتخزينها، وفي بعض الحالات، حتى بيع الطاقة الفائضة لجيرانهم.
الاستهلاك الذاتي في أوروبا: فسيفساء من السياسات والتقنيات
تتعامل كل دولة في الاتحاد الأوروبي مع الاستهلاك الذاتي بشكل مختلف. ولا شك أن ألمانيا من الدول الرائدة في هذا المجال. نفذت الحكومة الألمانية سياسات الدعم المالي والضريبي لتركيب أنظمة توليد وتخزين الطاقة الشمسية. إن مبادرات الاستهلاك الذاتي في ألمانيا واسعة النطاق، وكانت البنية التحتية لتخزين الطاقة التي توفرها شركة SolarCloud التابعة لشركة E.ON عنصرًا حاسمًا في دعم هذا النمو السريع.
ولكن في حالة أسبانيا، فإن التقدم في الاستهلاك الذاتي اتسم بالعقبات البيروقراطية و"ضريبة الشمس" الشهيرة، التي أجبرت مستهلكي الطاقة المتجددة على دفع ثمن استهلاكهم الخاص. وعلى الرغم من إزالة هذا الحاجز في عام 2018، إلا أن تداعيات سنوات من السياسات التقييدية لا تزال واضحة. واليوم، هناك تنظيمات أكثر ملاءمة، ونمو الاستهلاك الذاتي آخذ في الارتفاع، ولكن الافتقار إلى البنية التحتية مثل الشبكات الصغيرة والخوف من انخفاض الإيرادات الضريبية كان سببا في تباطؤ تبني هذه التنظيمات.
SolarCloud: نظام رائد للتخزين الافتراضي
يسمح نظام SolarCloud، الذي طورته شركة E.ON، بالتخزين "الافتراضي" للطاقة المولدة في المنزل أو في المرافق التجارية. يتيح هذا المفهوم المبتكر للمستخدمين تخزين كمية غير محدودة من الكهرباء المولدة بواسطة الألواح الشمسية في حساب محدد؛ ويمكن استهلاك هذه الطاقة الافتراضية في أوقات وأماكن مختلفة، مما يمنح المستهلكين مرونة غير مسبوقة. وبحلول أبريل 2024، سيتمكن العملاء في ألمانيا من الاستمتاع الكامل بهذه الخدمة، المصممة لتقليل الاعتماد على شبكة الكهرباء.
حزمة "الطاقة النظيفة لجميع الأوروبيين" والحواجز في أوروبا الشرقية
وشكلت مبادرة الاتحاد الأوروبي المسماة "الطاقة النظيفة لجميع الأوروبيين" قطعة أساسية في تعزيز الاستهلاك الذاتي والطاقات المتجددة داخل الكتلة للفترة 2021-2030. ومع ذلك، هناك إحجام في بعض دول أوروبا الشرقية، مثل بولندا وجمهورية التشيك، التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على الفحم. وقد وضعت هذه الدول حواجز أمام العديد من المقترحات التي تفضل الطاقة النظيفة. تتضمن الحزمة التشريعية أيضًا تدابير للعائلات والمجتمعات لإنتاج الطاقة النظيفة الخاصة بهم، أو ما تسميه منظمة السلام الأخضر "مواطنو الطاقة".
ولا تزال بولندا، مثلها في ذلك كمثل جمهورية التشيك، تعتمد بشكل كبير على الفحم. وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها هذه البلدان لإدراج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في مزيج الطاقة لديها، فإن الصعوبات التي تعترض عملية التحول واضحة. علاوة على ذلك، فإن الافتقار إلى شبكة تخزين فعالة وغيرها من البنية التحتية اللازمة للاستهلاك الذاتي الناجح يجعل التقدم أبطأ مقارنة بدول مثل ألمانيا.
دور SolarCloud في مستقبل الاستهلاك الذاتي
لا تعد شركة E.ON بالتخزين الافتراضي لعملائها في المستقبل فحسب، بل ستسمح أيضًا للمستهلكين ببيع أو مشاركة الطاقة الزائدة مع أصدقائهم وجيرانهم. تعد هذه الأنواع من الابتكارات التكنولوجية جزءًا من مستقبل طاقة أكثر استدامة حيث يتدفق الاستهلاك والتوليد بشكل ديناميكي. علاوة على ذلك، من المتوقع أن يتوسع تطبيق هذه النماذج، على الرغم من أنه كان يقتصر في البداية على ألمانيا، ليشمل دولًا أوروبية أخرى.
القطاع الذي ينمو بسرعة في سياق الاستهلاك الذاتي هو شحن السيارات الكهربائية. وسيكون لدى المستهلكين الذين يولدون الطاقة الخاصة بهم القدرة على إعادة شحن هذه المركبات في المنزل باستخدام الطاقة المخزنة من خلال SolarCloud. وهذه خطوة حاسمة نحو استقلال الطاقة، ليس فقط في المنزل، ولكن أيضًا في مجال التنقل.
وتركز التحديات في بلدان أخرى مثل إسبانيا على نقص الدعم للبنية التحتية للتخزين، وهو أمر يتم حله من خلال مبادرات تشريعية جديدة واستثمارات جديدة في البحث والتطوير. وتتصدر دول مثل هولندا الطريق في اعتماد الألواح الشمسية في كل منزل، حيث تصل إلى 30% من المنازل وفقًا للتقديرات الأخيرة بحلول عام 2024.
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتأثيره على تحول الطاقة في أوروبا
أما بالنسبة للمملكة المتحدة، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فلا يزال من غير الواضح نوع الدور الذي ستلعبه في المناقشة حول الطاقة المتجددة في إطار الاتحاد الأوروبي. أدى تشديد الموقف الأمريكي في ظل الإدارة السابقة ضد الطاقة المتجددة إلى خلق حالة من عدم اليقين. ووفقا لمنظمة السلام الأخضر، سيكون من المفيد للمملكة المتحدة ألا تكون على طاولة المفاوضات بشأن هذه القضايا.
ولا تزال فرنسا، من جانبها، تعتمد على الطاقة النووية في جزء كبير من توليد الطاقة لديها، على الرغم من أنها بدأت أيضًا في تنفيذ تغييرات في مزيج الطاقة لديها. وعلى الرغم من أن الدولة المجاورة لا تزال قوة نووية، إلا أن التطلعات للطاقة الشمسية وطاقة الرياح قد تبدأ في تحقيق تقدم أكبر اعتمادًا على المشهد السياسي بعد الانتخابات المقبلة.
تأثير تغير المناخ والحرب على تحول الطاقة
كان الصراع في أوكرانيا والتوترات الجيوسياسية التي انتشرت في جميع أنحاء أوروبا بمثابة حافز لتحول نموذجي في مجال الطاقة المتجددة. وانخفض استخدام الوقود الأحفوري، وكانت هناك زيادة كبيرة في التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، وخاصة مع الطاقة الشمسية الكهروضوئية. ومع ذلك، سيظل من الضروري إنشاء المزيد من البنية التحتية ودعم الطاقات المتجددة في مختلف المناطق الأوروبية.
المشاريع المستقبلية وتحديات الاستهلاك الذاتي
وبالنظر إلى المستقبل، يتعين على كل من ألمانيا وأسبانيا أن تستمر في تكييف بنيتها التحتية وأنظمة تخزين الطاقة للتغلب على تحديات الاستهلاك الذاتي. وبينما تضع ألمانيا نفسها كزعيم بلا منازع، تواصل إسبانيا صعودها في هذا القطاع، مدفوعة بالزيادة الهائلة في الطاقة الكهروضوئية المثبتة. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أنه بحلول عام 2024، ستقود إسبانيا أوروبا من حيث منشآت الاستهلاك الذاتي للطاقة الكهروضوئية، مع ما يصل إلى 5 جيجاوات إضافية في ذلك العام.
PPAs (اتفاقيات شراء الطاقة) كما أنها تكتسب زخمًا كحل قابل للتطبيق لكبار مستهلكي الطاقة في إسبانيا، حيث أنها تسمح لهم بضمان أسعار مستقرة على المدى الطويل وتشجيع توليد الطاقة المتجددة. وتقود الولايات المتحدة وإسبانيا والسويد نموذج الأعمال هذا، مع زيادة مستمرة في المشاريع في إطار هذه الطريقة على المدى القصير والمتوسط.
في حالة دول مثل إيطاليا أو فرنسا، على الرغم من أنها نفذت تدابير لتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، إلا أنها لا تزال تواجه عقبات تتعلق بسياسات الطاقة السابقة وتبعياتها، مثل الفحم أو الطاقة النووية، على الرغم من زيادة اعتماد نماذج الطاقة المتجددة ومن المتوقع الاستهلاك الذاتي، وخاصة في المناطق الصناعية.
ويتميز مستقبل الاستهلاك الذاتي في أوروبا بالحاجة إلى استثمارات أكبر في تكنولوجيا التخزين، وشبكات التوزيع الأكثر كفاءة، والسياسات التي تشجع تبني نماذج الطاقة التعاونية، مع مبادرات مثل سولار كلاود في طليعة هذا التطور.