مستقبل الطاقة في بحر الشمال: من النفط إلى الرياح البحرية

  • يواجه بحر الشمال تحولًا رئيسيًا نحو طاقة الرياح البحرية.
  • وتخطط أوروبا لزيادة قدرتها على توليد طاقة الرياح بشكل كبير في العقود المقبلة.
  • تدفع الاستثمارات المليونيرة والدعم الحكومي نمو الطاقة المتجددة.

استغلال النفط في بحر الشمال

أبردين، المعروفة بكونها عاصمة صناعة استغلال النفط والغاز البحري، يقود تحولًا جذريًا في مجال الطاقة في بحر الشمال لعدة سنوات. تهدف هذه المنطقة، المرتبطة تقليديًا بإنتاج الوقود الأحفوري، إلى أن تصبح المنطقة الأكثر أهمية في العالم المركز العالمي لطاقة الرياح البحريةوذلك تماشيا مع التوجهات العالمية نحو طاقات أنظف وأكثر استدامة.

تراجع استغلال النفط والتحول إلى الطاقات المتجددة

تحول الطاقة في أوروبا

وفي السنوات الأخيرة، شهدت حقول النفط والغاز في بحر الشمال انخفاضا ملحوظا. ووفقا لشركة الاستشارات وود ماكنزي، من المتوقع أن يتم التخلي عن ما يصل إلى 140 حقلا في السنوات المقبلة، والتي تتميز بانخفاض سعر البرميل. وعلى الرغم من أن هذه الموارد تغطي جزءًا كبيرًا من احتياجات المملكة المتحدة من الطاقة، إلا أن انسحاب شركات النفط مثل شل وبي بي والاهتمام المتزايد بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050 قد أدى إلى تسريع عملية التحول.

وزادت أوروبا بشكل كبير من قدرتها على توليد طاقة الرياح البحرية، ووضعت نفسها كدولة رائدة على مستوى العالم في هذا القطاع. وفي عام 2015، تمت إضافة 3 جيجاوات من طاقة الرياح البحرية الجديدة، مع وجود نسبة كبيرة منها في بحر الشمال. واليوم، يعمل في هذه المياه أكثر من 3.000 توربين بحري بقدرة مركبة تصل إلى 10 جيجاوات. ومن المتوقع أن ينمو هذا الرقم بمعدل 4 جيجاوات سنويًا حتى عام 2030، مما يدفع أوروبا نحو 60 جيجاوات إجمالاً.

طاقة الرياح البحرية: مستقبل بحر الشمال

وقد اكتسبت طاقة الرياح البحرية المزيد من الأرض، ومع مشاريع مثل بنك دوجر، الذي سيغطي 100.000 ألف هكتار قبالة الساحل الشمالي الشرقي لاسكتلندا، تتقدم المنطقة إلى الأمام في ريادة الطاقة. بدوره، يسلط مشروع جيميني المقام على سواحل هولندا، والذي يضم 150 توربينا قادرة على توليد 600 ميغاواط، الضوء على حجم هذا التغيير.

حاليًا، تمثل الرياح البحرية ما يقرب من 1,5% من توليد الكهرباء في أوروبا، ولكن من المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 7% بحلول عام 2030، وهو نمو هائل من شأنه أن يعزز الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة ويوفر الطاقة المستدامة لملايين المنازل.

الاستثمارات والآفاق الاقتصادية

أول مزرعة رياح عائمة في بحر الشمال

يتم دعم ازدهار طاقة الرياح البحرية من خلال استثمارات حكومية ضخمة. ففي المملكة المتحدة وحدها، تم تخصيص أكثر من 20.000 مليار جنيه إسترليني لمشاريع طاقة الرياح البحرية، بينما في أوروبا من المتوقع أن تصل الاستثمارات إلى أكثر من 24.000 مليار يورو على مدى العقد المقبل.

ومع ذلك، فإن نجاح هذه المشاريع يعتمد إلى حد كبير على دعم الدولة. ويؤكد خبراء مثل ديفيد راينر، من جامعة كامبريدج، أن الحوافز الحكومية تشكل أهمية أساسية لضمان الجدوى الاقتصادية على المدى الطويل. ومن الأمثلة على تدخل الدولة هذا حالة مشروع جيميني الذي تم دعمه باتفاقية مدتها 15 عامًا لبيع الكهرباء بسعر أعلى من السوق.

وعلى الرغم من الانتقادات والتحديات المالية، تواصل العديد من الحكومات الأوروبية الاعتماد على هذه التقنيات كجزء أساسي من استراتيجياتها الانتقالية نحو نموذج طاقة أنظف وأكثر استدامة.

تحديات وانتقادات نموذج الطاقة

على الرغم من الإجماع حول قيمة الطاقة المتجددة، فإن الإقلاع عن طاقة الرياح البحرية لم يكن بمنأى عن الانتقادات. وتتناقض التكاليف المرتفعة، التي تتراوح بين 100 و120 يورو لكل ميجاوات/ساعة، مع طاقة الرياح الأرضية، وهي أكثر ربحية بكثير (حيث تتراوح تكلفتها بين 60 و70 يورو لكل ميجاوات/ساعة). ومع ذلك، كثيرًا ما يتم حظر المشاريع البرية بسبب المعارضة المحلية، مما جعل التنمية البحرية بديلاً أكثر قابلية للتطبيق.

على المستوى البيئي، أفادت الهيئة الانتقالية لبحر الشمال أن الانبعاثات من منصات النفط قد انخفضت بنسبة 20% بين عامي 2018 و2021، بما يتماشى مع أهداف الحياد الكربوني التي حددتها حكومة المملكة المتحدة لعام 2050. ومع ذلك، لا تزال التوترات مستمرة بين شركات النفط والشركات. وترجع الحكومات الأوروبية بسبب السياسات الضريبية الجديدة الصارمة التي دفعت بعض الشركات إلى إعادة النظر في وجودها في المنطقة.

التأثير العالمي وأمن الطاقة

جزيرة دوجر الطاقة المتجددة بحر الشمال

لقد كشف الصراع بين روسيا وأوكرانيا عن ضعف أوروبا فيما يتصل بأمن الطاقة. وقد أدى الاعتماد على واردات النفط والغاز بالعديد من الدول الأوروبية إلى تسريع مشاريع الطاقة المتجددة البحرية كوسيلة لضمان قدر أكبر من الاستقلال.

على سبيل المثال، وضعت الدنمارك خطة طموحة لزيادة قدرتها على توليد طاقة الرياح البحرية ثلاث مرات بحلول عام 2030، وهو ما لن يسمح للبلاد بالاكتفاء الذاتي فحسب، بل سيسمح لها أيضًا بتصدير الطاقة إلى دول أوروبية أخرى.

فقد زادت النرويج إنتاجها من النفط والغاز، فأظهرت نفسها باعتبارها واحدة من أهم المشاركين في أمن الطاقة في القارة، في حين أطلقت المملكة المتحدة جولة جديدة من منح المزيد من تراخيص التنقيب.

ويشير العديد من الخبراء إلى أن رياح بحر الشمال ستلعب دورا أساسيا في تلبية التوقعات بأوروبا أكثر خضرة وأقل اعتمادا على الوقود الأحفوري. وعلى الرغم من جسامة التحديات، فإن الجمع بين السياسات طويلة الأجل والاستثمارات العامة والبيئة المواتية سيستمر في تسريع التحول في مجال الطاقة في السنوات المقبلة.


اترك تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *

*

*

  1. المسؤول عن البيانات: ميغيل أنخيل جاتون
  2. الغرض من البيانات: التحكم في الرسائل الاقتحامية ، وإدارة التعليقات.
  3. الشرعية: موافقتك
  4. توصيل البيانات: لن يتم إرسال البيانات إلى أطراف ثالثة إلا بموجب التزام قانوني.
  5. تخزين البيانات: قاعدة البيانات التي تستضيفها شركة Occentus Networks (الاتحاد الأوروبي)
  6. الحقوق: يمكنك في أي وقت تقييد معلوماتك واستعادتها وحذفها.