اتخذ وضع الطاقة في إسبانيا منعطفا مفاجئا في السنوات الأخيرة، خاصة مع الدفع نحو الطاقات المتجددة. لفترة طويلة، بدا الأمر وكأنه قضية غير ذات أولوية بالنسبة لحكومات معينة، لكن الاتحاد الأوروبي والحاجة الملحة لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى الالتزام البيئي، أدى إلى إعادة التفكير في استراتيجية الطاقة.
الاتحاد الأوروبي ومبادئه التوجيهية بشأن الطاقات المتجددة
منذ عام 2004، حدد الاتحاد الأوروبي مساراً واضحاً نحو استدامة الطاقة. وكان عام 2020 أحد الأعوام الرئيسية، حيث تقرر أن 20% من إجمالي الطاقة المستهلكة في الدول الأعضاء يجب أن تأتي من مصادر متجددة. وكان على كل دولة، اعتماداً على قدراتها ومواردها، أن تحقق هدفاً محدداً. بالنسبة لإسبانيا، كان هذا الهدف أيضًا 20% من الطاقة المتجددة. في المقابل، وفقا لمعلومات من يوروستات، حققت العديد من الدول الأوروبية أهدافها قبل عام 2015. ومع ذلك، تخلفت إسبانيا عن الركب، حيث حققت 16,15٪ فقط من الطاقة المتجددة في عام 2015. هذا الركود، الناجم بشكل رئيسي عن سياسات الطاقة التقييدية التي فرضتها الحكومة في عام 2012، نمو محدود حتى ذلك العام.
إسبانيا: وضع الطاقة بعد الأزمة
تسببت الأزمة الاقتصادية التي ضربت إسبانيا في انخفاض حاد في الطلب على الكهرباء، مما أدى إلى فائض في الطاقة المركبة، ومعظمها من الوقود الأحفوري. وفي هذا السياق، تقرر وقف مصادر الطاقة المتجددة، مبررا ذلك بوجود طاقة أكثر من كافية من مصادر غير متجددة. ومع ذلك، بدأ التقدم الحقيقي في مجال الطاقة المتجددة يكتسب زخمًا مرة أخرى في عام 2017، عندما قررت الحكومة إجراء مزاد بقيمة 3000 ميجاوات يستهدف الشركات العاملة في هذا القطاع.
المزادات والتنازلات في قطاع الطاقة المتجددة
في البداية، تعرض مزاد عام 2017 لانتقادات من قبل الاتحاد الإسباني للطاقة الكهروضوئية (UNEF) لأنه يفضل طاقة الرياح. ووفقا لصندوق الطوارئ التابع للأمم المتحدة، فإن نظام التقييم أعطى فرصا أكبر للتكنولوجيات الأكثر تطورا، مثل طاقة الرياح، مما يترك الطاقة الكهروضوئية في وضع غير مؤات. وقد تم رفع الشكوى حتى أمام المحكمة العليا، التي، على الرغم من رفضها التعليق الكامل للمزاد، فتحت إمكانية التعويض في المستقبل إذا ثبت التمييز. ونتيجة للمزاد المذكور، حصلت طاقة الرياح على 99,3% من إجمالي 3000 ميجاوات التي تم بيعها بالمزاد. ومع ذلك، أدى نجاح الحدث إلى إجراء مزاد إضافي بعد أشهر، حيث تم تخصيص 3000 ميجاوات أخرى، وهذه المرة بمشاركة أكبر من الخلايا الكهروضوئية.
وفي هذا المزاد الثاني، تم تصنيف الخلايا الكهروضوئية باعتبارها الفائز الأكبر، حيث حققت سعرًا مضمونًا أقل وفازت بمعظم المشاريع. وكان هذا انعكاسًا لانخفاض تكاليف تركيب محطات الطاقة الشمسية الكهروضوئية وزيادة الاهتمام من جانب المستثمرين، الذين توقعوا عوائد مرتفعة بسبب المساعدات التي يتلقونها مقابل كل ميجاوات يتم تركيبها.
تقدم مصادر الطاقة المتجددة: 2023، عام تاريخي
وفقًا للبيانات الحديثة التي نشرتها Red Eléctrica de España (REE)، بحلول عام 2023، حققت الطاقات المتجددة إنجازًا غير مسبوق في نظام الكهرباء الإسباني. ويأتي أكثر من 50% من الكهرباء المولدة في البلاد من مصادر متجددة، مما يضع إسبانيا على رأس أوروبا إلى جانب ألمانيا. ولا يعد هذا التقدم مهمًا من وجهة نظر الاستدامة فحسب، بل إنه يعمل أيضًا على تحسين استقلال إسبانيا في مجال الطاقة. وفي عام 2023، فإن التقنيات التي برزت هي الرياح، التي غطت 23,5% من إنتاج الكهرباء، والطاقة الشمسية الكهروضوئية، بحصة 14%. وبفضل هذه التقنيات، إلى جانب المكونات الهيدروليكية، تمكنت البلاد من خفض انبعاثات الكربون بشكل كبير.
مفاتيح النجاح في عام 2023
يمكن أن يُعزى نجاح عام 2023 إلى عدة عوامل:
- زيادة الاستثمارات في البنية التحتية للطاقة المتجددة، وخاصة في الخلايا الكهروضوئية وطاقة الرياح.
- الظروف الجوية المواتية، مما عزز الإنتاج الهيدروليكي والطاقة الشمسية.
- انخفاض تكاليف الألواح الشمسية وتحسين كفاءة توربينات الرياح، مما يسمح بتوليد المزيد من الكهرباء مع انخفاض تكاليف التشغيل.
في الواقع، في نهاية عام 2023، تجاوزت إسبانيا رقما قياسيا تاريخيا: تمكن نظام الكهرباء الإسباني من توليد 73,3% من الكهرباء من مصادر متجددة في يوم واحد. تعكس هذه الحقيقة إمكانات مصادر الطاقة المتجددة في البلاد واللحظة الجيدة التي تمر بها هذه التقنيات على المستوى الوطني.
التأثير العالمي: دور إسبانيا في السياق الأوروبي والعالمي
لا تعد إسبانيا رائدة في أوروبا فحسب، بل تعتبر أيضًا مركزًا رئيسيًا للطاقة المتجددة. وبالمقارنة مع الدول الأوروبية الأخرى، حققت إسبانيا نموا مستداما، حيث تم تركيب أكثر من 32.000 ألف ميجاوات من الطاقة الكهروضوئية، مما يجعلها متقدمة على التقنيات الأكثر رسوخا مثل طاقة الرياح أو الغاز الطبيعي.
مقارنات مع الدول الأخرى
- في ألمانيا، على الرغم من أنها لا تزال تشكل معيارا في مجال مصادر الطاقة المتجددة، فقد تمكنت في عام 2023 من تغطية أكثر من 50٪ من استهلاك الكهرباء بمصادر نظيفة لأول مرة - وقد تبنت إيطاليا نهجا شاملا، يتضمن الطاقة المتجددة الطاقات جنبا إلى جنب مع الطاقة النووية وغيرها من التكنولوجيات النظيفة لتنويع مزيج الطاقة. - في فرنسا، الوضع مختلف. على الرغم من أن المفاعلات النووية لا تزال تهيمن على مزيج الطاقة، فقد حققت الطاقات المتجددة تقدمًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، مع تسجيل أرقام قياسية تاريخية في طاقة الرياح.
التوقعات حتى عام 2030
تنص الخطة الوطنية المتكاملة للطاقة والمناخ (PNIEC) على أن إسبانيا يجب أن تحقق 81٪ من توليد الطاقة المتجددة بحلول عام 2030. ومع التقدم الحالي، فإن تحول الطاقة جار، ولا يتوقع تحقيق الأهداف فحسب، بل يمكن تحسينها في بعض المجالات. . لقد أثبتت إسبانيا نفسها كدولة رائدة في مكافحة تغير المناخ، من خلال تطوير التقنيات النظيفة التي لا تعود بالنفع على البيئة فحسب، بل على الاقتصاد الوطني أيضًا. وقد أدى نمو مصادر الطاقة المتجددة إلى خلق الآلاف من فرص العمل وتحسين القدرة التنافسية للبلاد على المستوى الدولي. وفي ظل التوقعات الحالية، من المرجح أن تستمر إسبانيا في قيادة هذا القطاع في مجال الابتكار والكفاءة.