تواجه الزراعة العالمية التحدي المستمر المتمثل في الآفات والأمراض التي تصيب النباتاتتشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 40% من المحاصيل تُفقد سنويًا بسبب هذه المشاكل، مما يؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي ويُعيق الإمدادات العالمية. ولمعالجة هذه المخاطر، جرت العادة على تقليص معظم المحاصيل. المبيدات الكيميائية وتقنيات التلاعب بالجينات النباتية.
ومع ذلك، تُشكّل هذه الحلول عقبات بيئية واجتماعية: إذ تُلوّث المواد الكيميائية التربة والمياه، وتُثير التعديلات الجينية جدلاً أخلاقياً وتنظيمياً. لذلك، يسعى علماء من مختلف أنحاء العالم إلى... استراتيجيات بديلة لحماية المحاصيل بطريقة أكثر استدامة وطبيعية.
كيف تدافع النباتات عن نفسها ضد مسببات الأمراض؟
النباتات لديها آليات الدفاع الطبيعية التي تُمكّنها من الاستجابة لهجمات البكتيريا والفطريات والحشرات. جدارها الخلوي، وهو بنية شبه صلبة، يعمل كحاجز مادي، ويتكون من ألياف السليلوز والهيميسليلوز والبكتين. عندما يحاول مُمْرِض إصابة نبات، فإنه عادةً ما يكسر هذا الجدار باستخدام الإنزيمات، مُطلقًا شظايا تُسمى قليل السكريات.
النباتات قادرة على اكتشاف هذه السكريات القليلةبتحديدها، تُفعّل نظام استجابة يُسمى المناعة المُحفّزة بالأنماط (PTI)، وهو نظام مشابه لآلية عمل اللقاحات لدى البشر. يُهيئ هذا النظام دفاعاتها لمقاومة الضرر.
في السنوات الأخيرة، اكتشف الباحثون العديد من هذه الجزيئات ووثقوا كيف يمكن أن تكون بمثابة إشارات إنذار لتنشيط جهاز المناعة لدى النباتات، مما يحد من انتشار الأمراض والآفات.
حلول مبتكرة: من السكريات القليلة التعدد إلى التكنولوجيا الحيوية النانوية
يتبنى الباحثون، مثل أولئك من مجموعة مناعة النباتات المستحثة بالجليكان في جامعة ليون، نهجًا جديدًا: تطبيق السكريات القليلة المحددة على النباتات قبل وصول مسببات الأمراضبهذه الطريقة، تُلقَّح النباتات، مما يُنشِّط دفاعاتها مبكرًا ويُقلِّل من تأثير العدوى لاحقًا. يُختَبَر هذا النوع من العلاج حاليًا على محاصيل عالية القيمة مثل الذرة والقمح، وقد أظهر نتائج واعدة.
ومن الصعوبات التي تواجه هذه التكنولوجيا هي تكلفة الانتاجولهذا السبب تعمل الفرق العلمية على البحث عن مصادر بأسعار معقولة، باستخدام نفايات النباتات أو الطحالب من الصناعات الأخرى لاستخراج هذه المركبات باستخدام تقنيات "خضراء" صديقة للبيئة، على سبيل المثال، باستخدام المياه في ظل ظروف دون حرجة.
وفي الوقت نفسه، تستكشف مشاريع مثل المشروع الذي يجري تطويره في معهد مونتيري للتكنولوجيا التكنولوجيا الحيوية النانوية لتعزيز مناعة النبات وتغذيتهيمكن استخدام الجسيمات النانوية من مركبات مثل أكسيد التيتانيوم أو الكيتوزان لتحفيز آليات الدفاع في المحاصيل البستانية. تُحفّز هذه الجسيمات النانوية إنتاج مضادات الأكسدة في النباتات، وتُحسّن امتصاص الماء والمغذيات، بل وتُعزّز علاقاتها بالكائنات الدقيقة المفيدة في التربة.
حتى الآن، أظهرت الاختبارات المعملية والبيوت الزجاجية التوافق مع البيئة وعدم وجود سمية في النباتات والحيوانات، مما يمهد الطريق لاختبارات ميدانية مفتوحة على نطاق أوسع. علاوة على ذلك، تسعى هذه التقنية إلى الاندماج في الاقتصاد الدائري، وإعادة استخدام النفايات الزراعية كأساس لتركيبات جديدة.
آفاق وتحديات تطعيم النباتات
إن تقدم هذه الحلول لا يعتمد فقط على الابتكار العلمي، ولكن أيضًا الأطر التنظيمية الملائمة والتعاون بين الجامعات وقطاع الأغذية الزراعية والجهات المعنية. يُعدّ وضع لوائح خاصة بالكيماويات الزراعية النانوية والمحفزات الحيوية أمرًا بالغ الأهمية لضمان استخدامها الآمن والفعال.
في هذا السياق، تعمل فرق بحثية متعددة التخصصات بالشراكة مع المزارعين والتعاونيات والشركات لتسهيل إدخال هذه التقنيات في المناطق الريفية. يُعدّ تدريب المنتجين ودعمهم أمرًا أساسيًا لضمان الاستخدام الأمثل لهذه المنتجات الجديدة وتعظيم أثرها الإيجابي على الإنتاجية والاستدامة البيئية.
إن الابتكارات في مجال تطعيم النباتات توفر أفقًا واعدًا للزراعة: إنتاج الغذاء بكفاءة أكبر، مع الاعتماد بشكل أقل على المواد الكيميائية والتأثير البيئي الأقلإن الاستثمار في الحلول القائمة على فهم الآليات البيولوجية للنباتات يمكن أن يحدث فرقًا في التغذية العالمية والحفاظ على النظام البيئي.
