شهد سكان مدينة نوريلسك الروسية، الواقعة ضمن الدائرة القطبية الشمالية، ظاهرة مقلقة: نهر دالديكان تغير لونه واكتسب لونًا أحمر ساطعًا. هذه الظاهرة الغريبة والمزعجة دفعت العديد من السكان إلى مشاركة الصور ومقاطع الفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي سرعان ما جذب انتباه العالم. للوهلة الأولى، تبدو هذه الظاهرة مجرد سيناريو مروع، ولكن في الواقع لها أسباب فنية وبيئية تتطلب تحليلاً مفصلاً.
الأسباب المحتملة للون الأحمر في نهر دالديكان
السلطات الروسية بالتعاون مع وزارة الموارد الطبيعية والبيئةوسرعان ما أطلقوا تحقيقًا لتحديد الأسباب الدقيقة لهذه الظاهرة. كل شيء يدل على أن اللون الأحمر يرجع إلى كسر في الأنابيب بالقرب من مصنع المعادن نوريلسك نيكل، يقع بالقرب من المدينة.
كما ربط الخبراء هذا الحادث بإطلاق سراح أكاسيد الحديد في الماء. عندما تتلامس هذه الأنواع من المركبات الكيميائية مع الماء، فإنها تولد لونًا محمرًا ملحوظًا. وقد أشار رونالد كوهين، أستاذ الهندسة البيئية في كلية كولورادو للمناجم، إلى أن الحديد الموجود في النفايات الصناعية يمكن أن تتأكسد في ظل ظروف معينة، مما يزيد من تكثيف اللون.
ووفقا لنظريات أخرى، فإن خام الحديد المعالج في مصنع المعادن، عندما يتم ترشيحه في البيئة، يمكن أن يطلق جزيئات أكسيد الحديد التي، عند خلطها بالماء، تسبب هذه الظاهرة البصرية المذهلة.
الآثار البيئية والمخاطر الصحية
بالإضافة إلى التغيير المثير للإعجاب في اللون، هناك تصريفات صناعية محتملة في الأنهار مثل نهر دالديكان مخاطر بيئية خطيرة للنظام البيئي المحيط. إذا كانت النفايات تحتوي على مركبات مواد كيميائية سامة، يمكن أن تكون العواقب مدمرة للنباتات والحيوانات المحلية. تلوث الماء ب مخلفات صناعية ويمكن أن يلحق ضررا كبيرا بالتنوع البيولوجي المائي، مما يؤثر على الأسماك والنباتات والكائنات الحية الأخرى.
ومن الأمثلة الواضحة على ذلك كيف يؤثر هذا التلوث بشكل مباشر على موارد صيد الأسماك، الضرورية للاقتصاد المحلي. تقرير غرينبيس يسلط الضوء على أن استمرار التلوث في نوريلسك لا يهدد التنوع البيولوجي فحسب، بل يهدد أيضًا أسلوب حياة المجتمعات التي تعتمد على النهر. قد تحتوي المواد السامة المنطلقة على التأثير التراكمي في الغذاء والماء، مما يشكل خطرا على صحة الإنسان.
لحسن الحظ، وفقًا للحكومة المحلية، فإن نهر دالديكان غير متصل بإمدادات المياه العامة، مما يقلل جزئيًا من المخاطر المباشرة التي يتعرض لها سكان نوريلسك. ومع ذلك، فإن هذا لا يخفف من الخطر طويل المدى على الحيوانات والنباتات في القطب الشمالي.
تاريخ طويل من التلوث الصناعي
هذه ليست حادثة معزولة في نوريلسك. وشهد سكان المنطقة أحداثا مماثلة في الماضي. وفي تواريخ سابقة، مثل يونيو 2016، تم بالفعل الإبلاغ عن التغير في لون النهر. بالإضافة إلى ذلك، تظهر صور الأقمار الصناعية، مثل تلك التي التقطها برنامج لاندسات التابع لناسا، أن الظاهرة حدثت عدة مرات، بما في ذلك خلال الأعوام 1997 و1998 و2014.
وتشير صور الأقمار الصناعية إلى أن التلوث ذو طبيعة متكررة ويشتد خلال أشهر الصيف، عندما تسمح درجات الحرارة ببقاء الماء في حالة سائلة. خلال فصل الشتاء، يتجمد النهر والمنطقة ويغطى بالثلوج، مما يخفي مؤقتًا الآثار المرئية للتلوث.
مسؤولية الشركات والعمل الحكومي
وفي أعقاب حادثة سبتمبر 2016، أنكرت شركة نوريلسك نيكل في البداية مسؤوليتها. ومع ذلك، اعترفت الشركة في النهاية بأن أ التسرب الناتج عن الأمطار الغزيرة كان السبب وراء فيضان أحد سدود محطة ناديجدا، مما سمح للنفايات الصناعية بالوصول إلى النهر.
وعلى الرغم من ذلك، يؤكد نوريلسك نيكل أن التسرب أملاح الحديد في النهر لا يشكل خطرا على الناس أو الحيوانات. ومع ذلك، تعرضت الشركة لانتقادات شديدة من الناشطين الذين يقولون إن الضوابط البيئية في المنطقة غير كافية.
El وزارة الموارد الطبيعية والبيئة في روسيا أطلقت العديد من التحقيقات ووعود بتحسين اللوائح لمنع وقوع حوادث في المستقبل. ومع ذلك، لا يزال السكان والمجموعات الناشطة متشككين، حيث تم تحديد نوريلسك مرارًا وتكرارًا كواحدة من أكثر المدن تلوثًا في العالم.
تواجه نوريلسك معضلة كبرى: فمن ناحية، توفر الصناعات المعدنية فرص العمل التي تدعم الاقتصاد المحلي، ولكن من ناحية أخرى، أدى التلوث الشديد إلى إضعاف نوعية الهواء والماء والتربة بشكل خطير. وبينما يشاهد السكان النهر يتحول إلى اللون الأحمر، يبقى السؤال المطروح هو ما إذا كان من الممكن أن تسير التنمية الصناعية جنبًا إلى جنب مع ذلك حماية البيئة والصحة العامة.