ومن بين جميع مصادر الطاقة، المتجددة وغير المتجددة، يتمتع بعضها بقبول أكبر لدى الجمهور، في حين أن البعض الآخر يخضع لنقاش ورفض واسع النطاق. سنستكشف في هذه المقالة بعمق التقنيات والطاقات التي تثير معظم الجدل، مع التركيز بشكل خاص على تلك التي تم تصنيفها على أنها أقل قبولًا من قبل الرأي العام بسبب علاقتها بالبيئة.
كانت الطاقة النووية واحدة من أكثر المجالات إثارة للجدل تاريخياً، مصحوبة بأخرى مثل التكسير الهيدروليكي والاستنساخ وزراعة النباتات المعدلة وراثياً. ومع ذلك، فإن الطاقة النووية ربما تثير القدر الأكبر من التردد في المجتمع. ما هي الأسباب التي تدفع إلى هذا الرفض الكبير من قبل الرأي العام؟
نتائج دراسة قبول الطاقات والتقنيات
كشفت دراسة حديثة عن الأرقام التالية فيما يتعلق بالقبول الاجتماعي لمختلف التقنيات والطاقات في إسبانيا:
- يُظهر 33,4% من السكان عدم موافقتهم على زراعة النباتات المعدلة وراثيًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الخوف من الآثار المحتملة غير المعروفة على الصحة، بالإضافة إلى نقص المعلومات العلمية المتاحة لعامة الناس.
- 31,3% ممن شملهم الاستطلاع يعارضون الاستنساخ لأسباب أخلاقية، على افتراض أن هذه الممارسات تتعارض مع الطبيعة و"تلعب دور الرب".
- التكسير، طريقة التكسير الهيدروليكي لاستخراج الغاز الطبيعي، لديها معدل رفض يصل إلى 27%. وعلى الرغم من أن هذه التقنية توفر فرص عمل في بلدان مثل الولايات المتحدة، إلا أن المخاوف بشأن تأثيرها البيئي ملحوظة.
- لكن الطاقة النووية تتصدر قائمة الرفض بنسبة 43%. ويرتبط هذا الرفض في الأساس بالخوف من وقوع حوادث كارثية مثل تشيرنوبيل (1986) وفوكوشيما (2011)، وهي الأحداث التي لا تزال تشكل علامة فارقة في الخيال الجماعي.
تم إجراء هذه الدراسة في إطار المسح الثامن للتصور الاجتماعي للعلوم، الذي نظمته المؤسسة الإسبانية للعلوم والتكنولوجيا (Fecyt). وتشير البيانات إلى أنه على الرغم من الرفض، هناك نمو في الاهتمام بالطاقة النووية، حيث زاد بنسبة 5% في العامين الماضيين. ويبدو أن توفر المعلومات العلمية بشكل أكبر قد أثار الفضول حول هذا النوع من الطاقة.
تقييم التقنيات وفوائدها
وغطى الاستطلاع إجمالي 6.357 مقابلة، أجريت في جميع مناطق الحكم الذاتي، ويعكس ميلا أكبر في القطاعات الناشئة للعلوم والتكنولوجيا. ومن المثير للدهشة أن 4 من كل 10 إسبان يظهرون اهتماماً كبيراً بالتقدم العلمي، بما في ذلك التقنيات الجديدة المرتبطة بالطاقة.
ومن الواضح أن 54,4% ممن شملهم الاستطلاع يعتقدون أن التقدم في العلوم والتكنولوجيا يسهم بشكل إيجابي في رفاهية المجتمع. ومع ذلك، فإن شريحة 5,8% تستمر في الحفاظ على العكس.
أما بالنسبة للتكنولوجيات الأكثر قيمة، فلا يزال الإنترنت والهواتف المحمولة يتصدران القائمة، على الرغم من أن أبحاث الخلايا الجذعية ونمو قطاع الطائرات بدون طيار تحظى أيضًا بتقدير كبير. وفي المقابل، يُنظر إلى الطاقة النووية على أنها خطيرة وذات فائدة قليلة للمجتمع، خاصة بين البالغين الذين تزيد أعمارهم عن 45 عامًا.
الطاقة النووية في النقاش حول الطاقة الاسبانية
وفي السياق الإسباني، كانت الطاقة النووية تمر بمسار معقد. في الآونة الأخيرة، اكتسبت إعادة التفكير في دور الطاقة النووية في مزيج الطاقة العالمي أهمية، مدفوعة بأحداث الصراع في أوكرانيا وأزمة الطاقة اللاحقة. وأمام الحاجة إلى مصادر طاقة تضمن الإمدادات، بدأت بعض الدول في إعادة النظر في انسحابها من القطاع النووي.
ولكن في إسبانيا، تم التأكيد مجددًا على مسار الإغلاق التدريجي للمحطات النووية، والذي سيتم تنفيذه بين عامي 2027 و2035، كجزء من الخطة الوطنية المتكاملة للطاقة والمناخ (Pniec). وتستند هذه الخطة إلى الاستبدال التدريجي للطاقات المتجددة والتكنولوجيات الداعمة مثل الدورات المركبة التي، على الرغم من استخدام الغاز، تنبعث منها كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون مقارنة بسابقاتها مثل الفحم.
وعلى النقيض من دول أوروبية أخرى، مثل فرنسا، التي تلتزم بالطاقة النووية باعتبارها أحد مصادرها الرئيسية للطاقة، أو ألمانيا، التي لا تزال تعتمد على الغاز، فقد اختارت الحكومة الأسبانية سحب الاستثمار في البنية الأساسية النووية. كل هذا تحت حجة التحول نحو الطاقات المتجددة بنسبة 100% خلال العقود المقبلة.
مزايا وعيوب الطاقة النووية
على الرغم من أن الطاقة النووية لا تنبعث منها غازات دفيئة أثناء تشغيلها، إلا أن لها عيوب كبيرة تساهم في رفضها. بشكل أساسي، كان التحدي البيئي المتمثل في إدارة النفايات المشعة ومخاطر السلامة الكامنة في حالة وقوع حوادث أكبر الحجج ضد ذلك. ولا تترتب على هذه المشاكل تكلفة اقتصادية عالية فحسب، بل إنها تخلق أيضاً ديناً بيئياً للأجيال القادمة.
وعلى الرغم من هذا التردد، يشير بعض المؤيدين إلى أن القدرة على توليد كميات كبيرة من الكهرباء من دون انبعاثات مباشرة من ثاني أكسيد الكربون تجعلها بديلا قويا للحد من تأثير تغير المناخ، وخاصة في تلك البلدان التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري.
ومن ناحية أخرى، يتمثل أحد الانتقادات في التكلفة العالية لبناء مفاعلات جديدة. وقد عانت المشاريع الأخيرة من تجاوز التكاليف والتأخير لفترات طويلة، مثل حالة مفاعل أولكيلوتو 3 في فنلندا، الذي استغرق استكماله عشرين عاما وتضاعفت تكلفته الأولية أربع مرات، الأمر الذي أثار تساؤلات حول الجدوى الاقتصادية للتوسع في هذا النوع من الطاقة.
دور الطاقة النووية في التحول البيئي
ورغم أن الخطة الإسبانية ملتزمة التزاما راسخا بالطاقات المتجددة، فإن بعض الخبراء يعتبرون أن الطاقة النووية يمكن أن تكمل العملية الانتقالية، نظرا لموثوقيتها وقدرتها على توليد طاقة ثابتة، خاصة في الوقت الذي قد تصبح فيه مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لا تكون متاحة بسبب العوامل المناخية.
صرح مستشارون مثل كابجيميني أن إزالة الكربون بالكامل بحلول عام 2050 ستكون صعبة للغاية دون توسيع القدرة النووية. وفي تقريرهم الأخير، أشاروا إلى أنه سيكون من الضروري مضاعفة القدرة النووية العالمية ثلاث مرات لتحقيق أهداف الانبعاثات الصفرية.
وعلى الرغم من هذه التوقعات، يظل الموقف الإسباني ثابتا في قراره بالتخلص التدريجي من هذا النوع من الطاقة، على الرغم من إدراكه أنه في بعض قطاعات تحول الطاقة، مثل محطات الدورة المركبة، سيظل استخدام الغاز الطبيعي ضروريا لتجنب ذلك. انقطاع التيار الكهربائي، خاصة وأن الطاقات المتجددة لا تصل إلى التنمية الكاملة.
وكان الجدل الدائر حول إدراج الطاقة النووية والغاز في التصنيف الأخضر للاتحاد الأوروبي محل نقاش أيضًا. وبينما اختارت دول مثل ألمانيا استخدام الغاز، وتواصل فرنسا دعمها القوي للطاقة النووية، ذكرت إسبانيا أن هذه الطاقات لها دور انتقالي، ولكن لا يمكن اعتبارها *خضراء*. ويحاول هذا النهج تجنب إرسال إشارات خاطئة إلى الأسواق المالية من شأنها أن تحول الاستثمارات عن هدفها الحقيقي: خلق مصادر طاقة نظيفة ومستدامة ومتجددة.
ويواصل المجتمع الإسباني، على وجه الخصوص، إبداء قلقه بشأن النفايات المشعة، والتي لم يتم العثور بعد على حل قابل للتطبيق. وحقيقة أن إسبانيا تعتمد إلى حد كبير على بلدان أخرى لتخزين وإدارة هذه النفايات تخلق تبعية دولية تؤدي إلى انعدام أمن الطاقة.
ويستمر السياق الدولي في التحول، ولكن ما يبدو واضحا هو أنه في حين يستمر الجدل حول الطاقة في التطور، فإن الطاقة النووية في أسبانيا لا تزال تحتل مكانة الرفض بالنسبة لجزء كبير من المجتمع. وفي المستقبل، سوف نرى ما إذا كانت خطط التحول نحو الطاقة النظيفة ستكون قادرة على تلبية التوقعات المحددة دون توليد تبعيات جديدة أو صراعات في مجال الطاقة.