تحول الطاقة في ألمانيا، المعروف باسم Energiewende، يقوم على تطوير الطاقات المتجددة وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، بهدف تقليل الاعتماد على إمدادات الطاقة المستوردة. ومن خلال القيام بذلك، لم يقتصر الأمر على زيادة خلق فرص العمل فحسب، بل سمح للبلاد أيضًا بتوجيه أوروبا نحو نموذج طاقة أكثر استدامة.
أهداف ألمانيا في تحول الطاقة
وضعت ألمانيا أهدافا طموحة لإعادة هيكلة نظام الطاقة لديها. الهدف الرئيسي هو ذلك أكثر من 80% من الطاقة المستهلكة في البلاد تأتي من مصادر متجددة بحلول عام 2050. وقد بدأت هذه الخطة تتجلى في زيادة الاستثمار في الطاقات مثل شمسي و ريح. علاوة على ذلك، هناك هدف رئيسي آخر يتمثل في خفض استهلاك الطاقة بنسبة 50% بحلول عام 2050، مع انخفاض تم توثيقه بالفعل بأكثر من 25% مقارنة بمستويات عام 2008.
زيادة كفاءة الطاقة والفوائد الاقتصادية
أحد ركائز Energiewende هو كفاءة استخدام الطاقة. اعتمدت ألمانيا العديد من التدابير الرامية إلى تحسين استخدام الطاقة، مما أدى إلى انخفاض كبير في استهلاك الطاقة الأولية. والمثال الملموس هو قطاع البناء، مسؤولة عن حوالي 35٪ من استهلاك الطاقة في البلاد. ومن خلال الإعانات الحكومية، قام أكثر من خمسة ملايين من أصحاب المنازل بتجديد منازلهم لجعلها أكثر كفاءة، سواء عن طريق تركيب أنظمة التدفئة الحديثة أو النوافذ الموفرة للطاقة.
وقد لعب القطاع الصناعي أيضًا دورًا رئيسيًا في عملية التحول. لقد ولدت كفاءة الطاقة في الصناعات والشركات أكثر من 400.000 وظيفة في السنوات الـ 17 الماضية، لصالح قطاع البناء والاستشارات بشكل أساسي. ولم تكن هذه التحسينات مفيدة للبيئة فحسب، بل جعلت أيضا أسعار الكهرباء أكثر تنافسية، وهو ما كان مفيدا بشكل خاص للصناعات ذات الاستهلاك العالي للطاقة.
الطاقات المتجددة الأكثر استخداما في ألمانيا
ومن بين الطاقات المتجددة الأكثر استخداما، طاقة الرياح تحتل مكانة بارزة، حيث تمثل 45% من مزيج الطاقة في ألمانيا عام 2022. تليها الطاقة التي يتم الحصول عليها من الكتلة الحيوية وثالثا شمسي. ولم تقلل الطاقة المتجددة من اعتماد البلاد على الوقود الأحفوري فحسب، بل سهلت أيضًا استقرار سوق الكهرباء في أوقات ارتفاع الطلب والإنتاج المتغير.
تأثير أزمة الطاقة والحرب في أوكرانيا
جلبت الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا في عام 2022 معها أزمة طاقة عالمية، أثرت أيضًا على ألمانيا. ولمعالجة هذا الوضع، اضطرت البلاد إلى اتخاذ تدابير جذرية، مثل إعادة تنشيط محطات الفحم القديمة مؤقتًا للتعويض عن النقص المحتمل في الغاز، مما أدى إلى زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة. ومع ذلك، ظلت ألمانيا ملتزمة بأهداف الطاقة. على الرغم من انبعاث خمسة ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون في عام 20222 بالإضافة إلى ذلك، انخفض استهلاك الطاقة والغاز بشكل ملحوظ، وتم تغطية 48% من استهلاك الطاقة بالطاقات المتجددة.
التخلص التدريجي من الفحم والطاقة النووية
وعلى الرغم من هذه الظروف، تظل ألمانيا ملتزمة بالقضاء على مصادر الوقود الأحفوري. استخدام فحم ومن المخطط القضاء عليه بالكامل بحلول العام 2030، وهو الهدف الذي كان قبل ثماني سنوات من الخطط الأصلية. أما بالنسبة ل الطاقة النوويةوأغلقت البلاد آخر محطاتها النووية في عام 2023، بعد أن تأخرت خطة الإزالة قليلاً في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.
لم يكن التحول إلى نظام الطاقة النظيفة خاليًا من التحديات. ومع ذلك، فإن الاستثمار في التقنيات الجديدة مثل شمسي و الرياح البحرية وقد سمح هذا لألمانيا ليس فقط بخفض الانبعاثات، بل وأيضاً بالبقاء واحدة من مصدري الكهرباء الرئيسيين في أوروبا. وكان هناك أيضًا التزام بتوسيع استخدام مضخات حرارية y السيارات الكهربائيةآملين ذلك بحلول عام 2030 على الأقل 15 مليون سيارة كهربائية تنتشر في الشوارع الألمانية، الأمر الذي سيزيد بشكل كبير من الطلب على الكهرباء.
مبادرات وتمويل الطاقات المتجددة
تقدم الحكومة الألمانية، من خلال الوزارة الاتحادية للاقتصاد وحماية المناخ (BMWK)، سلسلة من الحوافز والتمويل لتعزيز المبادرات المتعلقة بالطاقة النظيفة. ومن المقرر تخصيص 2% من المساحة الوطنية لمشاريع طاقة الرياح. بالإضافة إلى ذلك، تم إلغاء الحاجة إلى المناقصات بشأن بعض مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتسهيل وصول الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
وبفضل هذه السياسات، أصبح نمو مشاريع الطاقة المتجددة ثابتا. وفي عام 2023، طرحت ألمانيا مناقصة لإنتاج 7 جيجاوات من طاقة الرياح البحرية لأربع مناطق في بحر الشمال وبحر البلطيق، ومن المتوقع أن تصل إلى 40 جيجاوات بحلول عام 2035.
ولا تؤدي هذه التدابير إلى تعزيز خلق فرص العمل فحسب، بل تفتح المجال أيضا أمام فرص عمل جديدة، خاصة في قطاعات مثل إدارة النفايات المشعة، والتي أصبحت ضرورة بعد إغلاق آخر المحطات النووية. سيتعين على ألمانيا إدارة أكثر من 1.900 حاوية من النفايات المشعة في السنوات المقبلة، وهي مهمة ضخمة تتطلب التعاون الدولي والتقنيات المتقدمة.
مستقبل مستدام بالطاقات المتجددة
لقد أثبتت ألمانيا على مر السنين التزامها بالانتقال نحو نموذج طاقة أكثر استدامة. وعلى الرغم من أن الطريق لم يكن سهلا، وهناك تحديات معلقة، إلا أن البلاد تواصل التحرك نحو الحياد المناخي. لقد كانت الطاقات المتجددة وستظل الركيزة الأساسية لتحقيق الأهداف الطموحة لخطة الطاقة، والتي لن تؤدي إلى تحويل النظام الكهربائي في البلاد فحسب، بل سيكون لها أيضًا تأثير إيجابي على المستوى العالمي.