يعتمد بقاء النباتات وإنتاجيتها بشكل أساسي على أنظمة جذورها المعقدة. ولا تسمح هذه الهياكل باستخراج العناصر الغذائية والمياه من التربة بكفاءة فحسب، بل تلعب أيضًا دورًا رئيسيًا في استقرار النظام البيئي وفي مكافحة تغير المناخ.
سلطت الدراسة الأخيرة التي أجراها معهد سالك للدراسات البيولوجية الضوء على الآليات التي تتحكم في نمو الجذور في النباتات، مما يوفر فرصًا جديدة لتحسين مرونة المحاصيل والمساعدة في التخفيف من آثار تغير المناخ. ولهذا الاكتشاف آثار مهمة في مجالات رئيسية مثل عزل الكربون، ومقاومة الجفاف، وتحسين بنية التربة.
إن التحكم في نمو جذور النباتات لا يؤدي إلى تحسين إنتاجية المحاصيل فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى تحسين قدرة تخزين الكربون في التربة، وهو ما سيساعد بدوره على تقليل تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
عملية الجذر
تمر الجذور بعملية مستمرة من النمو والتوسع، حيث تسحب الماء والمواد المغذية الحيوية من التربة التي تنغرس فيها. يسمح هذا النمو بتطور هياكل معقدة داخل نظام جذر النبات، مع بنيات يمكن أن تختلف تبعًا للأنواع والبيئة.
بعض النباتات لها جذور تمتد فقط إلى الطبقات السطحية من التربة، والبعض الآخر يصل إلى مناطق أعمق. ترتيب الجذور في التربة، والمعروف باسم بنية الجذر، ويعتمد على عدة عوامل، مثل توفر الماء والمواد المغذية، وكذلك الظروف المناخية.
يمكن للنبات ذو نظام الجذر العميق الوصول إلى المزيد من احتياطيات المياه التي يتعذر الوصول إليها ومقاومة تأثير الجفاف بشكل أفضل. من ناحية أخرى، قد يكون نظام الجذر الضحل أكثر تكيفًا مع البيئات الغنية بالمغذيات في الطبقات السطحية من التربة. يتم توجيه كل هذا من خلال الآليات الهرمونية التي تعمل كإشارات للنمو.
وفي الأبحاث الحديثة، تبين أن هرمون الإيثيلين يلعب دورًا أساسيًا في تنظيم نمو الجذور. يتحكم هذا الهرمون في الزوايا الجانبية التي تمتد عندها الجذور، مما يؤثر بشكل مباشر على البنية العامة لنظام الجذر.
وبهذه النتائج، يشير الباحثون إلى إمكانية التلاعب بالبنية الجذرية للنباتات لتحسين قدرتها على التكيف مع ظروف الإجهاد، مثل الجفاف أو انخفاض توافر المغذيات، والمساعدة في تقليل آثار تغير المناخ.
التلاعب بنمو الجذور
التقدم في فهم نمو الجذور يفتح إمكانية التلاعب بالنباتات وراثياوتحسين جذورها لجعلها أكثر مقاومة للظروف القاسية التي يفرضها تغير المناخ. ومن الممكن أن يساعد هذا النهج في تطوير محاصيل أكثر كفاءة في استخدام المياه، ومقاومة للجفاف، وقادرة على تخزين المزيد من الكربون في التربة.
وقد أبدى باحثون مثل وولفغانغ بوش حماساً كبيراً لفكرة التحكم في عمق نظام الجذر، وهو جانب حاسم لتحسين احتجاز الكربون في التربة. تساعد الجذور العميقة على تثبيت الكربون في الطبقات السفلية من التربة، مما يجعلها مخزنًا طويل الأمد للكربون، مما يمنع انطلاقه في الغلاف الجوي.
ويهدف الباحثون إلى استخدام هذه التطورات لتحسين بنية الجذور في مجموعة متنوعة من المحاصيل الغذائية ومحطات الطاقة، والتي يمكن أن يكون لها تأثير كبير على التخفيف من تغير المناخ العالمي.
إن إمكانية تعديل بنية نظام الجذر في الأنواع النباتية المختلفة لن تسمح فقط بالتكيف مع الظروف المناخية المتغيرة، ولكن أيضًا زيادة في سعة تخزين الكربون على المدى الطويل.
علاوة على ذلك، يمكن دمج إمكانات هذه الأنواع من المحاصيل مع الممارسات الزراعية المستدامة، مثل دورة المحاصيل واستخدام الأسمدة العضوية، مما يزيد من تحسين عزل الكربون في التربة.
شكل نظام الجذر
تتأثر بنية نظام الجذر في النبات بعدة عوامل، من بينها كمية العناصر الغذائية المتاحة ومتوسط هطول الأمطار والعوامل البيئية الأخرى. أظهرت الأبحاث أن زاوية نمو الجذور، التي تتحكم فيها الهرمونات والعوامل الوراثية الأخرى، لها تأثير كبير على الترتيب المكاني للجذور.
النباتات ذات أنظمة الجذر أعمق إنهم يميلون إلى أن يكونوا أكثر مرونة في مواجهة الجفاف. وذلك لأن الجذور العميقة يمكنها الوصول إلى مصادر المياه الجوفية خلال فترات الجفاف الطويلة. في المقابل، تتميز أنظمة الجذور الضحلة بالكفاءة في امتصاص العناصر الغذائية في طبقات التربة العليا، وهو أمر مفيد بشكل خاص في التربة الخصبة أو في المحاصيل التي تعتمد على التسميد التكميلي.
في بحث حول نبات الأرابيدوبسيس thalianaوهو نبات نموذجي في علم النبات، اكتشف العلماء الآليات الوراثية التي تتحكم في زاوية نمو الجذور. من بين الجزيئات التي تم فحصها، تبين أن هرمون الإيثيلين له دور حاسم في تنظيم نمو الجذر الجانبي، والذي يتم تحديده جزئيًا من خلال نشاط بروتين كيناز المعروف باسم CTR1.
إشارات ميبيندازول والإيثيلين
وحدد وينرونج هي، المؤلف الرئيسي للدراسة، أن جزيئًا يسمى ميبيندازول يؤثر على نمو الجذر الأفقي من خلال التفاعل مع إشارات الإيثيلين. تشير هذه النتيجة إلى أن تنظيم الإيثيلين بواسطة مركبات جديدة يمكن أن يوفر أدوات إضافية لتوجيه نمو جذور النبات.
يقوم مثبط CTR1 بحظر إشارات الإيثيلين بشكل سلبي، مما يؤدي إلى تطور أكثر سطحية لنظام الجذر. ومن خلال فهم مسار الإشارات هذا ومعالجته، أصبح لدى الباحثين أداة جديدة لتحسين عمق نظام الجذر في المحاصيل المهمة، مما يساعد على زيادة قدرة التربة على عزل الكربون.
وتستكشف فرق البحث إمكانية تحديد جزيئات أو جينات أخرى يمكن استخدامها لتحفيز نمو أعمق للجذور، مما ينتج عنه نباتات أكثر مقاومة للظروف القاسية لتغير المناخ.
أحد التحديات الرئيسية، وفقًا للباحثين، هو العثور على التدابير الدقيقة لضمان أن التغييرات في بنية الجذر تعمل على تحسين تكيف النبات دون آثار ضارة على جوانب أخرى من وظائف الأعضاء، مثل إنتاج الفاكهة أو البذور.
ويتكامل هذا التقدم أيضًا مع الأبحاث المتعلقة بعزل الكربون في التربة. إن الجمع بين تحسين نمو الجذور واستخدام المحاصيل التي تعزز تخزين الكربون في التربة يمكن أن يؤدي إلى تأثير إيجابي على المستويين الزراعي والبيئي.
في هذه المرحلة، من الواضح أن التحكم في نمو جذور النباتات، جنبًا إلى جنب مع التقنيات الزراعية المستدامة والتحسينات في بنية الجذور، لديه القدرة على تحقيق فوائد كبيرة سواء في إنتاج الغذاء أو في مكافحة تغير المناخ. إن الاكتشافات الحديثة حول العلاقة بين الجذور واحتجاز الكربون وقدرة النباتات على التكيف مع ظروف الإجهاد، مثل الجفاف ونقص المغذيات، تفتح أبوابًا جديدة لمواجهة أحد أكبر التحديات في عصرنا.