ال الحروب والأزمات الاجتماعية حيث تلعب الأسلحة دورًا حاسمًا لا يؤدي فقط إلى كوارث إنسانية مدمرة، بل يؤدي أيضًا إلى دمار بيئي هائل. مع تطور الصراعات الحربية، تواجه النظم البيئية المحلية والعالمية أضرارًا جسيمة بسبب التدهور البيئي الذي تسببه. ويشمل ذلك بشكل مباشر الموارد الطبيعية والنظم البيئية والتنوع البيولوجي في المناطق المتضررة من الأعمال العسكرية.
تأثير الصراعات الحربية على التلوث البيئي
العمليات العسكرية تنتج عميقة أثار الكربون. تعتمد كل من الدبابات والطائرات والمروحيات، وكذلك المركبات الأرضية، بشكل كبير على الوقود الأحفوريمما يزيد من انبعاث ثاني أكسيد الكربون والغازات الملوثة الأخرى إلى الغلاف الجوي. ويساهم هذا الاستخدام المفرط لموارد الطاقة غير المستدامة بشكل كبير في ذلك ظاهرة الاحتباس الحراري، مما يؤدي إلى تفاقم الظروف المناخية العالمية الحرجة بالفعل.
علاوة على ذلك، فإن العديد من المواد الحربية، مثل الأسلحة والمتفجرات، تعمل كعوامل ملوثة. وهذه العناصر، خاصة تلك التي تحتوي على معادن ثقيلة مثل اليورانيوم المنضب، تترك مخلفات خطيرة تتسرب إلى التربة ومصادر المياه، مما يؤثر على صحة النبات والحيوان والإنسان.
إن طبيعة الصراع، التي تنطوي على تدمير البيئات الحضرية والريفية، تولد سلسلة من النفايات السامة التي يتم توزيعها طوال سيناريو الحرب، مما يسبب آثارًا يمكن أن تستمر لعقود.
العواقب على النظم البيئية
عند تقييم الآثار البيئية للنزاعات المسلحة، يلاحظ أن النظم البيئية هي إحدى الضحايا الرئيسيين. إن الدمار الناجم عن الانفجارات الكبيرة والأعمال العسكرية يجرد مناطق بأكملها من توازنها، ويؤثر على كل شيء من سطح التربة إلى أكثر سلاسل الغذاء تعقيدا.
إحدى الحالات الأكثر رمزية للتدمير البيئي أثناء النزاع هي حرب فيتنامحيث استخدمت الولايات المتحدة وكيل البرتقال، وهو مزيل كيميائي قوي دمر الغابات الاستوائية الكثيفة في المنطقة. ولم يغير هذا المشهد الطبيعي في جنوب شرق آسيا فحسب، بل أثر بشدة على الأنواع النباتية والحيوانية، والتي لم يتعاف بعضها أبدًا. تُعرف هذه الظاهرة باسم "مبيدات الأعشاب المتعمدة" وتجسد كيف يمكن أن تؤدي الاستراتيجيات العسكرية إلى القضاء على النظم البيئية بأكملها.
وهناك مثال آخر في أهوار بلاد ما بين النهرين في العراق خلال التسعينيات، وفي خطوة جذرية، اختارت حكومة صدام حسين تجفيف الأهوار، مما أدى إلى تغيير أحد أكبر النظم البيئية للأراضي الرطبة في العالم. يصعب عكس هذه الأنواع من التعديلات وتسبب أضرارًا تعتبر في كثير من الحالات غير قابلة للإصلاح.
تأثير التعدين واستغلال الموارد
العديد من الحروب الحديثة لها علاقة وثيقة مع استغلال الموارد الطبيعية. كان البحث عن المعادن والنفط والغاز، خاصة في المناطق الغنية بهذه السلع، أحد أكبر أسباب الصراعات، خاصة في أفريقيا. إن هذا الكفاح من أجل السيطرة على الموارد القيمة لا يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية فحسب، بل يؤدي أيضاً إلى تفاقم الدمار البيئي.
وفي بلدان مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، ارتبطت الصراعات المسلحة بشكل مباشر باستغلال التعدين. وأوضح مثال على ذلك هو الكولتان، وهو معدن أساسي لصناعة التكنولوجيا. فقد دمرت مناطق التعدين، وأزيلت الغابات، وتلوثت الأنهار بالزئبق وغيره من مخلفات المعادن الثقيلة. وقد ولدت هذه العملية دورة من التدهور الذي لا يؤثر فقط على المناخ والحيوانات المحلية، بل يعرض صحة السكان للخطر أيضًا.
بالإضافة إلى ذلك، أدى التعدين غير المنضبط إلى تدمير مساحات واسعة من الغابات الاستوائية، دون النظر إلى أهمية هذه النظم البيئية في تنظيم المناخ العالمي. وفي المناطق التي لا توجد فيها قوانين بيئية لمنع الاستغلال غير العقلاني، تستغل الجهات المسلحة نقاط الضعف لمواصلة قطع الأشجار بشكل عشوائي، وهو ما يؤدي إلى تفاقم إزالة الغابات على نطاق عالمي.
التلوث الإشعاعي في الصراعات الحديثة
أحد أخطر التحديات التي تواجه الصراعات الحديثة هو الاستخدام الواسع النطاق لـ الأسلحة التي تحتوي على اليورانيوم المنضبمما يترك إرثا ساما للأجيال القادمة. وهذا النوع من الأسلحة، الذي يستخدم بشكل رئيسي في الصراعات مثل تلك الدائرة في العراق والبلقان، لا يولّد الدمار في لحظة الارتطام فحسب، بل يتسبب أيضًا في التعرض للإشعاع لفترة طويلة.
وتنتشر جزيئات اليورانيوم المنضب في الهواء، وتستقر على الأرض، وينتهي بها الأمر بتلويث مصادر المياه الجوفية. ويؤثر هذا التلوث الإشعاعي على الكائنات الحية، من الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في التربة إلى الثدييات الكبيرة، وعلى البشر، الذين يتعرضون لخطر الإصابة بأمراض مزمنة، مثل السرطان، بسبب التعرض المستمر.
ومن الحالات الخطيرة للتلوث الإشعاعي حالة العراق، حيث لا تزال تسجل مستويات مثيرة للقلق من الأمراض الناجمة عن الإشعاع، بعد عقود من الصراعات. ولا تقتصر العواقب على الحاضر فقط، إذ يمكن أن تظل آثار الإشعاع نشطة طوال الأجيال القادمة، مما يؤثر على كل من النظم البيئية المحلية وسكانها من البشر.
الأضرار الطويلة الأمد التي خلفتها الحرب على البيئة
ليس من غير المألوف أن تتضرر المناطق المتضررة من الحرب بشكل دائم، مما يؤدي إلى ما يعرف بـ "الأضرار البيئية الجانبية". وبعد التدمير المباشر للأرض واستخدامها كساحة معركة، غالبًا ما تتدهور هذه المناطق إلى حد أن مشاريع الترميم تصبح معقدة ومكلفة. تفجيرات في المناطق الصناعيةوالمصانع المدمرة والمواقع البيئية الرئيسية المتضررة من الحرب تترك وراءها نفايات سامة تستغرق قرونًا حتى تعود.
وحتى في أحدث الصراعات، كما هو الحال في أوكرانيا، تم توثيق تأثيرات بيئية ضخمة. وفقا ل برنامج الأمم المتحدة للبيئةتسببت الحرب في أوكرانيا في حرائق الغابات وإزالة الغابات وتلوث الهواء والماء. وكانت إحدى اللحظات الحاسمة هي الهجوم على خزان كاخوفكا عام 2022، والذي يعتبر من أسوأ الكوارث البيئية في أوروبا منذ حادث تشيرنوبيل. بالإضافة إلى ذلك، أدى تفجير المصانع والمناطق الحضرية إلى اندلاع حرائق انتشرت بآلاف الأطنان من الانبعاثات السامة على مساحات واسعة.
وفي حين أن الآثار الإنسانية المباشرة للنزاعات المسلحة واضحة، فإن آثارها على البيئة تظل واحدة من أكبر التحديات الطويلة الأجل. يمكن أن تستغرق النظم البيئية التي دمرتها الحرب عقودًا من الزمن للتعافي، وفي كثير من الحالات، يكون الضرر غير قابل للإصلاح تمامًا.