يتمتع البشر بقدرة غير عادية على التكيف مع بيئتهم والاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية، حتى في الظروف القاسية. على مر القرون، تعلمنا ليس فقط البقاء على قيد الحياة في مناظر طبيعية معادية، بل تعلمنا أيضًا بناء المدن في المنحدرات والكهوف والغابات، والاستفادة من الظواهر الطبيعية الأكثر تدميراً. وإحدى هذه الظواهر، الأعاصير، التي تعيث فسادا سنويا في منطقة المحيط الهادئ، وخاصة في اليابان، أصبحت اليوم مصدر إلهام للإبداعات التكنولوجية التي تسعى إلى تحويل قوتها التي لا يمكن وقفها إلى مورد قيم.
وبهذا المعنى، اتخذت اليابان خطوة إلى الأمام بتصميم أ توربينات الرياح الخاصة والتي يمكن أن تستغل طاقة الأعاصير. وفي حين أنه من المستحيل تجنب هذه الظواهر الجوية وتسبب أضرارًا كبيرة، فإن الهدف الآن هو الاستفادة منها من خلال الطاقة المتجددة.
الاستفادة من قوة الاعصار
المهندس الياباني أتسوشي شيميزومؤسس التحدي، وقد طور الأول توربينات الرياح المتخصصة للأعاصيروهو اقتراح مختلف جذريًا عن توربينات الرياح التقليدية. تم تصميم هذه التوربينات الجديدة لتحمل رياح الإعصار والاتجاهات المتغيرة، وهو أمر ضروري في الإعصار. ويأتي هذا المشروع كحل لليابان، الدولة التي كثيرا ما تتعرض لعنف هذه الظواهر والتي سعت إلى الاستقلال في مجال الطاقة منذ كارثة فوكوشيما النووية في عام 2011.
يواجه شيميزو وفريقه تعقيد التصميم بسبب عدم استقرار الأعاصير. يحتوي إعصار واحد على ما يكفي من الطاقة ل تزويد اليابان بالكهرباء لمدة 50 عامًا. ومع ذلك، فإن تسخير كل هذه الإمكانات يمثل تحديًا يتطلب تقنيات متقدمة.
مكونات توربينات الرياح وتشغيلها
يعتمد التصميم الذي اقترحته شركة Challenergy على أ توربينات المحور الرأسيباستخدام ما يسمى تأثير ماغنوسوهي ظاهرة فيزيائية تسمح لأسطوانات دوارة مثبتة على محور بتحويل الطاقة الحركية للرياح إلى كهرباء. هذا النوع من توربينات الرياح أكثر كفاءة ومقاومة من توربينات الشفرات التقليدية، والتي تميل إلى الكسر بسهولة في الظروف القاسية، مثل تلك التي تعاني منها الأعاصير.
وبصرف النظر عن متانته، يقدم هذا النموذج التوربيني المزايا البارزة الأخرى: وهي صامتة مقارنة بتوربينات الرياح التقليدية ولا تمثل خطرا على الطيور التي تأثرت أعدادها بالتوربينات التقليدية. إن تصميمه المدمج والرأسي يجعل من السهل التكيف مع الجغرافيا الجبلية في اليابان ويقلل من الحاجة إلى مساحات كبيرة للتركيب.
وفي عام 2016، تم بنجاح اختبار نموذج أولي لتوربينة الرياح هذه في جزيرة أوكيناواوتتحمل رياح تصل سرعتها إلى 36 كم/ساعة وتولد 1 كيلووات من الكهرباء. وعلى الرغم من أن هذه كانت خطوة أولية، إلا أن شيميزو يأمل أن تتمكن الإصدارات المستقبلية من التوربين من العمل بثبات حتى في سرعة الرياح 270 كم/ساعة، وهي شائعة خلال أقوى الأعاصير.
مزايا توربينات الرياح ذات المحور العمودي
- تأثير أقل على البيئة: ولا تولد التوربينات الضجيج المرتبط بتوربينات الرياح التقليدية، كما أن افتقارها إلى الشفرات يساعد على حماية حيوانات الطيور.
- المتانة والقدرة على التكيف: هذه التوربينات، بفضل تصميمها العمودي، أكثر مقاومة للرياح المتغيرة الناجمة عن الأعاصير.
- القدرة على التكيف مع الرياح من أي اتجاه: تتيح الأسطوانات الدوارة لهذا التصميم الاستفادة بشكل فعال من الرياح القادمة من أي زاوية، مما يزيد من توليد الطاقة إلى الحد الأقصى.
بالإضافة إلى مقاومتها، تعد تعدد استخداماتها مثاليًا لحالات الطوارئ، حيث يمكن لتوربينات الرياح هذه الاستمرار في العمل حتى أثناء انقطاع التيار الكهربائي الناجم عن الكوارث الطبيعية.
وضع الطاقة في اليابان
ومنذ حادث فوكوشيما النووي، واجهت اليابان أزمة طاقة أدت إلى إغلاق العديد من المحطات النووية. وفي هذا الإطار، كثفت الدولة جهودها لزيادة مشاركة الطاقات المتجددة في مزيج الطاقة الخاص بك.
دراسة وزارة البيئة اليابانية يشير إلى أن قدرة توليد طاقة الرياح من الأعاصير يمكن أن تكون هائلة، حيث تصل إلى 1.900 مليار جيجاوات سنويا. ومع ذلك، يواجه هذا المورد المحتمل عوائق بسبب وعورة جغرافية البلاد والصعوبات في مد شبكات الكهرباء في المناطق ذات الظروف الجوية القاسية.
وقد أبدت الحكومة اليابانية دعمها لمبادرات مثل مبادرة تشالينيرجي، حيث قدمت الإعانات والقروض لتمويل تطوير هذه التكنولوجيا. وفقا لشيميزو، "إن تحويل الأعاصير إلى مصدر للطاقة لن يخفف من آثارها المدمرة فحسب، بل وأيضاً يجعل اليابان دولة مكتفية ذاتياً من الطاقة.".
مستقبل طاقة الرياح في اليابان والعالم
لا يقتصر الاهتمام بتوربينات الرياح ذات المحور العمودي على اليابان فقط. دول مثل الفلبين وتايوان والولايات المتحدة لقد أبدوا بالفعل اهتمامًا بتكييف هذه التكنولوجيا في المناطق التي تعاني أيضًا من ظروف مناخية قاسية. تخطط شركة Challenergy لتسويق توربينات الرياح الخاصة بها بحلول عام 2020 بقدرة تبلغ حوالي 10 كيلووات، وقد أطلقت حملة تمويل جماعي تهدف إلى إشراك المواطنين في هذه العملية.
على الرغم من أن الخبراء ما زالوا يناقشون كفاءة هذا النوع من المولدات على المدى الطويل، إلا أن فائدته كحل للاكتفاء الذاتي من الطاقة في حالات الطوارئ تبدو أمرًا لا جدال فيه، ومع وجود إصدارات مستقبلية أكثر قوة، قد نشهد ثورة في طريقة التقاط الطاقة. من الطبيعة.
إن مثل هذه الابتكارات توضح لنا كيف أنه من الممكن، من خلال الابتكار والمثابرة، تحويل الظواهر الطبيعية التي كنا نعتبرها في السابق مدمرة إلى فرص طاقة فريدة.