مكافحة تغير المناخ يقود التطوير المتسارع للتكنولوجيات التقاط ثاني أكسيد الكربون (CO2)، إحدى الأولويات الرئيسية في إطار التحول البيئي العالمي. في الآونة الأخيرة، طرحت قطاعات مختلفة ابتكارات تهدف إلى خفض الانبعاثات وتخزين ثاني أكسيد الكربون بأمان أو تسخيره بكفاءة، مما يضع احتجاز الكربون في صميم استراتيجية المناخ.
من المبادرات الصناعية من الحلول التكنولوجية الحيوية إلى المشاريع التجريبية في مجال العمارة، أصبح احتجاز ثاني أكسيد الكربون أرضًا خصبة للتعاون بين الشركات والجامعات والشركات الناشئة. في إسبانيا وأوروبا، يتفق الخبراء على أن هذه التقنيات ستكون أساسية لتسريع عملية إزالة الكربون، مع أن تطبيقاتها وتحدياتها تختلف باختلاف خصائص كل قطاع.
صناعة الأسمنت والمشاريع الكبرى: ضرورة التخفيف من الانبعاثات التي يصعب الحد منها
في كاتالونيا، لقد اتخذت مصانع الأسمنت التزاما حاسما بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.، باستثمار مخطط له يتجاوز 800 مليون يورو بحلول عام 2050. تواجه هذه الصناعة، المسؤولة عن 41% من انبعاثات العمليات في إسبانيا، تحدي القضاء على البصمة الكربونية في تصنيع الأسمنت من خلال العديد من الاستراتيجيات: تسخير الهيدروجين الأخضر، واستخدام المواد الخام البديلة، وكهربة النقل، وتصنيع الأسمنت والخرسانة منخفضة الكربون.
وأكد مديرو المصانع الرئيسية على أهمية تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه واستخدامه (CCSU) باعتبارها الطريقة الوحيدة الفعالة حقًا للتخفيف من انبعاثات العمليات، وخاصةً تلك التي يصعب تقليلها بالطرق التقليدية. ويتفق الجميع على أنه بدون هذه التقنيات، سيكون تحقيق الحياد المناخي للقطاع بحلول عام ٢٠٥٠ أمرًا مستحيلًا.

ويعزز مثال النرويج هذا الاتجاه: فقد أطلقت البلاد مشروع السفينة الطويلة، الذي يسمح الالتقاط والتخزين على نطاق واسع من ثاني أكسيد الكربون المُولَّد في مصنع للإسمنت، وقريبًا في محرقة. يُنقل ثاني أكسيد الكربون بالسفن ويُحقن تحت قاع البحر في طبقة مياه جوفية مالحة، مما يمنع 2 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون من دخول الغلاف الجوي سنويًا. هذه المبادرة، بدعم حكومي قوي وتعاون شركات طاقة متعددة الجنسيات، تضع تقنية احتجاز الكربون وتخزينه (CCS) في صميم الاستراتيجية الأوروبية للمناخ.
التكنولوجيا الحيوية والشركات الناشئة والحلول المعيارية: دور الطحالب الدقيقة في احتجاز الكربون
يشهد المشهد الريادي تطورًا سريعًا أيضًا. فقد طورت شركة 4BlueTech الناشئة، ومقرها برشلونة، والتي انبثقت من تعاون دولي، حل معياري وقابل للحمل لالتقاط ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين يجمع هذا النظام بين الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية. يستخدم الطحالب الدقيقة والبكتيريا القادرة على امتصاص هذه الغازات، ويوفر إمكانية التتبع الفوري عبر منصة تكنولوجية، مما يتيح إصدار الشهادات وتوليد أرصدة الكربون الرمزية.
هذه التقنية، الحاصلة على براءة اختراع حاليًا، في مرحلة الاختبار التجريبي، وتحظى بدعم العديد من الشركات والهيئات العامة. ومن أكثر مشاريعها طموحًا تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى وقود حيوي بالتعاون مع شركات صناعية، مما يُظهر كيف... تنويع الاستخدامات من الضروري أن نجعل عملية التقاط الكربون مربحة وأن نوسع نطاقها.
الابتكار العلمي: المواد الحية والهندسة المعمارية الماصة للكربون

وفي مجال البحث، تمكنت فرق مثل تلك الموجودة في المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في زيورخ (ETH زيورخ) من تطوير مواد حية مطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد قادرة على امتصاص ثاني أكسيد الكربونوباستخدام البكتيريا الزرقاء، تقوم هذه المواد بعملية التمثيل الضوئي ولا تقوم فقط بتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى كتلة حيوية، بل تقوم أيضًا بمعدنته، وتشكيل مركبات كربون مستقرة تعمل على تعزيز بنية المادة.
عُرضت هذه الهياكل الحية، القادرة على العمل كمصارف كربون حقيقية، في فعاليات دولية مثل بينالي البندقية للعمارة. ورُكّبت هناك كتل تُحاكي جذوع الأشجار، قادرة على امتصاص كميات من ثاني أكسيد الكربون تُضاهي تلك التي تمتصها شجرة بالغة. علاوة على ذلك، تُستكشف جماليات هذه المواد ووظائفها في مشاريع تجريبية، مُتخيلةً... هندسة مستقبلية تتعاون بشكل نشط في امتصاص الانبعاثات.
الزراعة التجديدية واستعادة النفايات لالتقاط ثاني أكسيد الكربون في التربة
البحث الزراعي ليس بعيدًا عن هذا. تقود جامعة مورسيا مشاريع تُركز على ما يُسمى زراعة الكربوندمج النواتج الزراعية الثانوية والكتلة الحيوية النباتية (مثل الأعشاب البحرية المحصودة من الساحل) في التربة لزيادة خصوبتها وقدرتها على تخزين الكربون. هذه التقنيات، التي غالبًا ما تُدمج ضمن الزراعة التجديدية، تُحوّل التربة إلى مستودعات نشطة لثاني أكسيد الكربون، مما يُسهم في التخفيف من آثار تغير المناخ وتحسين إنتاجية النظم الزراعية واستدامتها.
يشهد احتجاز ثاني أكسيد الكربون فترة غير مسبوقة من الابتكار.سواءً في تطبيقاتها الصناعية أو في الحلول التكنولوجية الحيوية والتجريبية. ورغم التحديات الكبيرة التي لا تزال قائمة من حيث التكاليف وقابلية التوسع وتصديق النتائج، فإن الجهود المشتركة للشركات والمشاريع الناشئة ومراكز الأبحاث والحكومات تُرسي أسس اقتصاد أنظف وأكثر مرونة.